فن التفويض
————————-
في الذكرى الأولى لانضمامه للشركة يذكر ناصر كم الصعوبات التي واجهها في أول أيامه بالعمل
فبالرغم من دراسته الجامعية للمحاسبة والدورات التي تلقاها في السلوك الوظيفي ولعب دورفعال في الفريق، كان لا يزال يواجه صعوبة في فهم نظام الشركة وكيفية التعامل مع الاَخرين.
كان يحاول طول الوقت ألا يخطئ وكان مديره يتابعه دون أن يربكه أو يراجعه.
وكانت الشركة ذات وضع حرج، فهي شركة لبيع نظم البرمجيات، وقد عقدت صفقات بمبالغ كبيرة مع العملاء.
ولكنها كانت دائما تتأخر في الوفاء بتسليم المنتجات في المواعيد وكان وراء هذا سبب واضح وجلي، وهو هروب الكوادر إلى الشركات العالمية.
فندرة الكوادر في هذا المجال كانت واضحة بالسوق وبالتالي كانت الشركات تسعى للحصول على كوادر منافسيها وكانت الشركة تنفق الكثير والكثير من المال على برامج الاحتفاظ بالموظف و الدورات المجانية للموظف.
نعود إلى ناصر، حيث بدأ مديره يقترب منه، فتارة يعلمه مهارة جديدة وتارة أخرى يتركه يتعلم بنفسه ويحفزه على ذلك.
حتى كان ناصر يستطيع أن يؤدي مهام مديره أثناء غيابه بنهاية عامه الأول من العمل
بل يتخذ القرارات بكل أريحية.
إلى أن تغيب المدير يوما وحل محله ناصر، وطلب موظف الحسابات الجديد توقيع المدير على كشف الرواتب حتى لا تتأخر.
وحرصا من ناصر على ألا تتأخر، وإدراكا منه لأهمية الأمر، قرر أن يوقع على كشف الرواتب بنفسه.
وبعد يومين من استلام الموظفين للرواتب، ورجوع المدير للعمل، انهال على المدير سيل من المكالمات الهاتفية، تستفسر كيف ولماذا حصل المديرون على نصف رواتبهم، بينما حصل الموظفون على الضعف.
وصل الخبر إلى ناصر الذي ارتبك وشعر بفداحة الخطأ من عدم مراجعة عمل الموظف الجديد.
وتيقن أنه فقد هو والموظف الجديد أماكنهم في الشركة واستعد لذلك.
وهنا جاء الاتصال الهاتفي الذي انتظره لمدة يومين.
كان مديره يستدعيه إلى مكتبه.
المدير: اجلس يا ناصر.
ناصر: شكرا أستاذي، أدري أني خذلتك، وأعلم مدى فداحة الأمر، وأعلم أن الشركة وإن لم تفقد مالا ولكنها ستفقد كوادرها بسبب غضب مديريها، بل والغضب الذي سينتاب كوادرها من المهندسين حين يعلمون أن الزيادة برواتبهم كانت خطأ، بل وأُدرك أن هذا الخطأ يُظهرعدم الاحترافية وأنا مستعد لتقديم استقالتي، والاعتذار من الجميع.
المدير: استقالتك؟ لم أطلبك بمكتبي لتقدم استقالتك يا ناصر بل طلبتك لأمر آخر، فإذا كنت ترى أن الخطأ بسبب عدم الاحترافية فعليك إيجاد حل احترافي للموقف وإذا كنت ترى أن استمرار الكوادر بالشركة على المحك، أوجد حلا يجعلهم يستمرون.
فَكِّرْفي حل لمدة يومين، وخذ إجازة بعيدا عن الضغوطات بالمكتب.
وبالفعل غاب ناصر ليومين، مدفوعا بثقة المدير به، ثم عاد إلى الشركة وقد قام بتحضير عرض تقديمي واجتمع بمديره وبمجلس الإدارة.
بدأ ناصر الحديث معتذرا عن الخطأ غير المقصود ثم أخذ بشرح الحل.
تطرق أولاً إلى الميزانية المخصصة للإستشارات والتدريب الخاص بكيفية الحفاظ على موظفي الشركة.
ثم انتهى إلى اقتراح الاجتماع بالموظفين والمدراء وإبلاغ الموظفين أن ما حصلوا عليه من زيادة ما هو إلا تحفيز لهم وشكر على جهودهم في الشركة.
وأما المدراء، فسيعقد اجتماع خاص بهم لإبلاغهم أن الشركة قررت فى هذا الشهر إلغاء برنامج الاحتفاظ بالموظف، والذي تكلف الكثير من المال،
وستحسب الأموال التي تنفقها عليه، وتوزعها على الرواتب مرة أخرى، ما يعنى أن كل مدير سيحصل على النصف الآخر من راتبه من الزيادة خلال الأيام القادمة.
كما اقترح ناصر إلغاء برنامج الحفاظ على الكوادر واستبداله بحوافز مادية، تعتمد على مؤشرات أداء لكل فريق إذا قبل الموظفين والمديرين بهذا الوضع لهذا الشهر التجريبي.
وهو ما تم بالفعل، وحصل الكل على الحوافز وأُلغي البرنامج، بل وسعى كل مدير للعب دور المستشار لمرؤوسيه حتى يستطيع الإحتفاظ بهم.
وكان حلاً عبقريا ساعد الشركة في الاحتفاظ بموظفيها ومدرائها.
وتم ترقية ناصر ومديره والاحتفاظ بالموظف الجديد.
وفي يوم جلس ناصر يتناول غداءه مع الموظف الجديد.
حكى الموظف لناصر أنه تعلم الكثير في هذا الشهر.
وسأله قائلا: لابد أن مديرك جعلك الاَن تثق به أكثر يا ناصر.
فرد ناصر قائلا: بل جعلني أثق بنفسي أكثر، فالمدير يجعلك تثق به وبقدراته وخبراته، أما القائد يجعلك تثق بنفسك أنت وبقدراتك أنت وبخبراتك أنت، والسر في التفويض فلولا قيامي ببعض مهام مديري ما وصلنا لهذه النتيجة.
جميع الحقوق محفوظة لموقع 7 اهداف