لن نتحدث اليوم عن التواصل، بل سنتحدث عن عدم التواصل “فالشيء يعرف بضده”.
كم سمعنا من أحاديث و قرأنا من كتب بل و حضرنا من تدريبات ومحاضرات تتحدث عن أهمية أن يمارس القائد تواصلا فعالا مع من حوله، و عن الأثر الكبير للتواصل على نجاح المؤسسة التي يمارس قادتها تواصلا فعالا مع موظفيها.
ولكننا لن ندرك معنى كلمة “تواصل” إلا لو اختبرنا معنى “عدم التواصل”
و هنا أرجو منك عزيزي القار أن تعيرني قلبك وعقلك، فسأذهب معك إلى رحلة عبر الزمن.
فالزمان عام 1957، والمكان ولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية.
حيث أنشئت أحد قلاع عالم التكنولوجيا، مؤسسة ديجيتال لإنتاج المعدات التكنولوجية.
شركة تعد بالنجاح، وتحققه بالفعل، فقد عمل بها ما يقرب من المائة و العشرين ألف موظفًا حول العالم، وتخطت أرباحها الأربعة عشر مليار دولار.
و ظلت الشركة تحقق النجاحات تحت قيادة مؤسسها كين اولسون، الذي يثق بقيادته موظفوه و مهندسو الشركة، بل و المساهمون بها.
إلى أن جاء اليوم الذي ترقى فيه اولسون من رئيس الشركة إلى رئيس مجلس الإدارة وحل محله بالمر.
وهنا شعر بعض الموظفين والمساهمين بالاضطراب، ولم يلتفت بالمر إلى التواصل مع موظفيه ومهندسيه الذين هم أعمدة الشركة، فما كان من بعضهم إلا أن ترك الشركة وانضم إلى شركات المنافسين.
سمع المساهمون بهروب الكوادر، فتهاوى وضع الشركة بالبورصة، وما زاد الطين بلة هو اجتماع أعضاء مجلس الإدارة دون حضور بالمر رئيس الشركة. بل إن الرسم البيانى الذى عرض فى أثناء الاجتماع الذي احتوى أسماء أعضاء مجلس الإدارة لم يحتوي على اسم رئيس الشركة.
وتسرب خبر الاجتماع إلى الصحافة وتيقن الكل من أن كرسي رئيس الشركة أصبح فارغا وأن الشركة في تخبط كبير، فتهاوت قيمة الأسهم، وتهافت المساهمون على بيعها .
وتحولت الشركة من مؤسسة غنية إلى شركة مديونة في زمن قصير جدا.
وبعد الانهيار الذي أدى إلى بيع المؤسسة لشركة كومباك المنافسة بأقل من ربع الثمن.
والمدهش أنه في أحد المقابلات الصحفية مع بالمر، نفى أنه ترك منصب رئيس الشركة، وأن عدم حضوره للاجتماع فى ماساتشوستس كان لأنه فى اجتماع آخر بفرع الشركة بواشنطن، والواضح أن عدم التواصل مع إدارته كان سببا في هذا اللبس.
ومن الرسم البياني الذي لم يظهر به اسم بالمر كرئيس للشركة، تواصل الصحفيون مع السكرتيرة التي قامت بإعداده والتي أوضحت أنها لم تضع اسم بالمر لأنها لم تعرف كيف تضع كل الاسماء فى مساحة صغيرة فاكتفت بما استطاعت إدراجه من أسماء أعضاء مجلس الإدارة .
وكانت هذه هي نهاية قلعة كبيرة من قلاع الأعمال، ونتيجة طبيعية “لعدم التواصل”.
الآن لنعد إلى يومنا هذا، ونتخيل عزيزي القارئ لو أن قادة الشركة تواصلوا بشكل فعال مع بعضهم ومع موظفيهم ومع المساهمين، كيف كان سيبدو وضع الشركة اليوم؟
أطلق العنان لخيالك وأخبرني في التعليقات عما ترى.
جميع الحقوق محفوظة لموقع 7 اهداف