في هذا المقال سنتعرف سويًا على إحدى المواصفات الفارقة لدى القادة الناجحين ألا وهي الذكاء العاطفي.
ولن أتحدث هنا عن تعريف الذكاء العاطفي ولا عن أهميته، سأقص لك القصة التي ستوضح ذلك، ولكن قبل القصة، أريد منك أن تشاركني عزيزي القارئ هذا الاختبار البسيط، وفيه سأطلب منك أن تخبرني (بأى لون) كٌتبت الكلمات التالية:
أحمر، أصفر، برتقالي، أخضر، أزرق، رمادي، أسود، بني.
الآن أخبرني صراحة كم خطأ وقعت فيه؟
لعلك الآن تسأل وما علاقة هذا بموضوعنا؟ سأجيبك ولكن بعد أن تقرأ القصة.
في إحدى الشركات المبتدئة بالسوق، تم توظيف الشاب علي في قسم المبيعات الهاتفية، حيث يتصل بالعملاء ويبيع لهم المنتج، وواقع الأمر أن علي كان ذا شخصية “كاريزمية”، يتقن الحديث والاستماع ، حين يتحدث إلى العملاء عبر الهاتف يبدو كخبير يستشيره الكل فيما يشترون.
العملاء يحبونه لحلاوة لسانه ولذكائه الحاد، كان علي يستطيع تحقيق ضعف رقم المبيعات المطلوب منه شهريا بكل سهولة.
ثم جاء اليوم الذي تغيب فيه علي عن العمل، واتصل ليعتذر، وعاد في اليوم التالي ليتابع عمله، لكن دون حماس.
استمر علي على هذا الوضع لأسبوع كامل، ثم أكمل الشهر بدون حماس وبأقل رقم مبيعات، والغريب أنه تحول إلى شخص آخر يأتي العمل متأخرا، لا يبالى بالاجتماعات ، بل لم يكن يبدي أي اهتمام بتعليمات مديره.
حاول مديره كثيرا توجيهه وتعديل سلوكه بالعمل، فمرة يعرض عليه خطة برقم جديد للمبيعات ويعده بمكافأة، ومرة يحذره من إمكانية خسارة عمله إذا أستمر على إهماله هذا.
ولما وجد أنه قد مر شهران دون جدوى، قرر مع الإدارة تسريح علي من عمله. حتى وإن كان هذا سيكلف الشركة إيجاد من يشغل مكانه بل وتدريبه، مما يعنى أن فريق عمل المبيعات سيتراجع عن تحقيق أهدافه ما لا يقل عن ثلاثة أشهر.
وهنا ذهب المدير ليخبره بنفسه، لعله يتعظ ويغير من سلوكه إذا استطاع إيجاد عمل آخر.
وأثناء سيره نحو مكتب علي كان يسأل نفسه عما سيكون رد فعل علي حينما يعلم أن هذا هو آخر يوم له فى الشركة، واقترب من مكتب علي ونظر في وجهه وقد مد علي قدمه على الكرسى المقابل واضعا يده تحت رأسه، فرآه المدير على هذا الوضع، فقال المدير محدثًا نفسه “يا لك من موظف مهمل غير مبال، أنت فعلا تستحق كل ما سيحدث لك” واقترب منه مناديا “علي” …
أعتذر منك عزيزي القارئ، دعنا نتوقف ولا نكمل القصة على هذا النحو، بل سنعيد صياغتها بنهاية أخرى. لنبدأ من جديد:
في إحدى الشركات المبتدئة بالسوق، تم توظيف الشاب علي في قسم المبيعات الهاتفية، وكان علي موظفا ناجحا جدا، إلى أن جاء ذلك اليوم وتغير كل شئ.
فأصبح مهملا و كسولا، وبما أن مديره كان على قدر كبير من الذكاء العاطفى، أدرك أن هناك سببا ما جعل من علي شخصًا آخر. لم يستعن المدير بخطط الموارد البشرية المنصوص عليها في سياسة الشركة من التحفيز والتحذير، فهو يدرك أن علي ليس موظفا مهملا بالفطرة، بل أن هناك سببا لم يتحدث عنه علي وهو ما يقف وراء هذا السلوك غير الطبيعي.
وذات يوم طلب المدير من علي أن يذهب معه لتناول الغداء في مطعم على مقربة من الشركة، وهناك بدأ المدير الحديث عن العائلة والمسؤوليات والحياة وتجنب الحديث عن العمل. فأخرج من علي ما أراد سماعه، فحين تطرق المدير إلى الحديث عن مسؤوليات الحياة وعجز الإنسان عن القيام بها أحيانا، اغرورقت عينا علي وبدأ فى الحديث عما اكتشفه من مرض أمه مؤخرا، وعن عجزه عن علاجها، وأن مرضها النادر يتطلب سفرا إلى الخارج، وميزانية لا طاقة له بها ولو عمل بالشركة لسنتين لما استطاع تغطية تكاليف السفر والعلاج، وحتى مرضها لن يصبر على علي لسنتين، ففي غضون أيام إن لم يتم علاجه فسيكون قد قضى على والدته الحبيبة.
هنا أدرك المدير السر وراء تغير علي، والسبب الذي لم يقله علي من قبل.
تماما كأسماء الألوان التي قرأناها في أول المقال، نقرأ الكلمة “أحمر” والواقع أنها مكتوبة “بالأزرق”، أو نرى الشخص “مهملا” والواقع أنه “يمر بأزمة”.
هكذا هو الذكاء العاطفي، قدرتك على التواصل والاستماع الفعال، والأهم قدرتك على فهم وإدراك ما لم يُقل.
والآن عزيزي القارئ، أنا مدين لك بنهاية جديدة لقصة “علي”.
فبعد أن أدرك مديره أن لديه سببا لإهماله هذا، عرض على شركته اقتراح أن تقدم له سلفة على أن يتم خصم نصف راتبه لأربع سنوات، وأن يوقع على عقد أن لا يترك عمله طوال هذه المدة، ورحبت الشركة بذلك فالمال كان صعبا على علي وحده تدبيره ، ولكن المؤسسة يمكنها تدبيره دون صعوبة، الأمر الذى أعاد علي لسلوكه الأول، فقد سافرت الأم وتعالجت. ونجح علي في تحقيق الكثير من المبيعات، فقد كان يشعر أنه مدين بهذا النجاح لمديره وشركته التي اعتبرها بيته الثاني، حيث يقضي فيها ساعات فوق ساعات عمله دون كلل أو ملل، ينجح ويترقى ويشجع الآخرين.
وجزء من هذا النجاح يعود فضله إلى مدير وقائد يتحلى بالكثير من “الذكاء العاطفي”.
جميع الحقوق محفوظة لموقع 7 اهداف